2024-04-19
 إعلان بخصوص استقبال الاخوة المراجعين يومي الأربعاء والخميس 17 و 18 نيسان الحالي بين الساعة العاشرة صباحاً حتى الواحدة ظهراً   |    

بيان الســيد وليــد المعلــم نائب رئيس مجلس الوزراء وزيـر الخارجية والمغتربين رئيس وفد الجمهورية العربية السورية أمام الــدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة

نيويورك – 29 أيلول 2014

 

السيد سام كوتيسا

رئيس الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة

يطيب لي أن أهنئكم وبلدكم الصديق أوغندا على انتخابكم رئيساً للجمعية العامة في دورتها الحالية وأن أتمنى لكم النجاح والتوفيق في قيادة أعمال هذه الدورة بما يعزز دور رئيس الجمعية العامة الهام والمحايد. ونشكر سلفكم السيد جون آش على رئاسته في الدورة الماضية.

السيد الرئيس،

أحداث كثيرة وتحولات كبيرة حصلت منذ أن وقفت هنا العام الماضي، فاجأت كثيراً من الدول الموجودة معنا هنا، لكنها لم تفاجئنا .. لأننا وعلى مدى ثلاث سنوات ونصف كنا نحذر ونعيد ونكرر كي لا نصل إلى ما وصلنا إليه الآن ...

دار الحديث على هذا المنبر حول الأزمات الاقتصادية والسياسية التي كنا ننتظر من المجتمع الدولي حلاً واضحاً لها، ربما الحديث الآن عن ذلك لم يعد أولوية.. فما نشهده منذ شهور أخطر بكثير من كل الأزمات السياسية والاقتصادية التي مرت على العالم.

لقد تحدثنا في أكثر من مناسبة وعلى أكثر من منبر دولي حول خطورة الإرهاب الذي يضرب سورية وأن هذا الإرهاب لن يبقى داخل حدود بلادي لأنه لا حدود له، فهذا الفكر المتطرف لا يعرف سوى نفسه ولا يعترف إلا بالذبح والقتل والتنكيل. وها أنتم اليوم، أيها السيدات والسادة، تشاهدون ما يقوم به تنظيم داعش التنظيم الأخطر في العالم على الإطلاق من حيث التمويل والوحشية، ما يفعله بالسوريين والعراقيين ومن كل الأطياف والأديان، يسبي النساء ويغتصبهن ويبيعهن في سوق النخاسة، يقطع الرؤوس والأعضاء، يعلم الأطفال الذبح والقتل، فضلاً عن تدمير معالم الحضارة والتاريخ والرموز الإسلامية والمسيحية.

كل ذلك أمام أعين العالم وتحت نظر الدول التي طالما قالت بأنها تحارب الإرهاب بل إن بعضها قد ذاق ويلاته بنفسه ...

ومن هنا أقف لأقول ... ألم يحن الوقت يا سادة لأن نقف جميعاً وقفة واحدة في وجه هذا التمدد الخطير للفكر التكفيري الإرهابي في العالم؟ ألم تحن ساعة الحقيقة لنعترف جميعاً أن تنظيم داعش وغيره كجبهة النصرة وبقية أذرع القاعدة لن يتوقف عند حدود سورية والعراق بل سيمتد إلى كل بقعة يمكن له أن يصل إليها ابتداءً من أوربا وأمريكا؟ ألا يجب أن نتعظ مما جرى في السنوات السابقة ونجمع الجهود الدولية كاملة للوقوف في وجهها كما جمع هذا التنظيم التكفيريين من كل أصقاع الأرض وأتى بهم إلى بقعة واحدة ليدرب ويسلح ويعيد نشر أفكاره وإرهابه عبرهم من حيث أتوا؟

قد يقول قائل الآن أن قراراً دولياً قد صدر مؤخراً وبالإجماع وتحت الفصل السابع ليحول دون تمدد هذا التنظيم وغيره وللقضاء عليه.

نعم أيها السادة أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً، هذا القرار الدولي الذي صدر في 15/8/2014 جاء متأخراً جداً نعم، لكن هل الجميع جاد وحازم في تنفيذه؟ فمنذ صدوره لم نلمس أي تحرك جدي لتطبيقه، لم نلمس أي شعور حقيقي بالخطر والعمل على أساسه من قبل أي دولة إقليمية، كانت ومازالت  تقدم كل أشكال الدعم لهذه التنظيمات الإرهابية. بل إن ما رأيناه من الإدارة الأمريكية من ازدواجية للمعايير وتحالفات لتحقيق أجندات سياسية خاصة من خلال تقديم دعم بالسلاح والمال والتدريب لمجموعات يسمونها معتدلة، إنما يشكل وصفة لزيادة العنف والإرهاب وسفك دماء السوريين وإطالة أمد الأزمة السورية، ونسف الحل السياسي من جذوره، وأرضاً خصبة لتنامي هذه المجموعات الإرهابية التي ترتكب أبشع الجرائم على الأرض السورية مما يتطلب منا جميعاً جدية في التصدي لهذا الإرهاب والقضاء عليه قولاً وفعلاً ليعود الأمن والاستقرار لسورية والمنطقة.

إن النساء السبايا ينظرن إلينا اليوم ماذا سنفعل لهن ولأخواتهن وأبنائهن. إن أبناء وبنات الضحايا الذين قُطعت رؤوسهم على يد داعش يرقبون تحركاتنا، وما الذي سنقوم به أمام هذه الفظائع التي ترتكب يومياً من قبل هذا التنظيم، وجبهة النصرة و غيرها.

أيها السيدات والسادة ..

إن مكافحة الإرهاب لا تتم عبر القرارات الدولية غير المنفذة، فالنوايا هنا لم يعد لها مكان .. إن مكافحة الإرهاب تتم بتطبيق القرارات فعلاً، عبر الضربات العسكرية بالتأكيد، لكن الأهم أيضاً هو وقف الدول التي تسلح وتدعم وتدرب وتمول وتهرب هذه الجماعات الإرهابية. ولهذا علينا أيضاً أن نجفف منابع الإرهاب. إِنْ ضربنا الإرهاب عسكرياً، وبقيت تلك الدول تفعل ما تفعل فهذه دوامة لن يخرج المجتمع الدولي منها لعقود ..

إن الضربات العسكرية يجب أن تتزامن مع تطبيق القرار الدولي رقم2178 الذي صدر بتاريخ 24/9/2014 تحت الفصل السابع، والضغط على الدول التي تدعم هذا التنظيم بكل شيء، دول باتت معروفة لكم جميعاً .. والأهم تلك الدول التي صدّرت ومازالت تصدر هذا الفكر المتشدد والتكفيري الخطير على الأمن والسلم الدوليين. فداعش فكرة تحولت إلى تنظيم يُدعم ويُسلح ويُدرب ويُطلق كالوحش المستميت ضد سورية والعراق ولبنان، فلنوقف الفكر ومصدريه، وبالتوازي لنضغط على الدول التي باتت عضواً في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة حتى توقف دعمها للجماعات الإرهابية المسلحة، عندها تصبح محاربة الإرهاب عسكرياً عملية ناجعة، أما غير ذلك فوجودنا هنا لن يكون على مستوى دموع السبايا والنساء والأطفال من ضحايا داعش، وجبهة النصرة وغيرهما.

إن الجمهورية العربية السورية إذ تعلن مرة أخرى أنّها مع أي جهد دولي يصبّ في محاربة ومكافحة الإرهاب، تشدد أنّ ذلك يجب أن يتم مع الحفاظ الكامل على حياة المدنيين الأبرياء، وتحت السيادة الوطنية ووفقاً للمواثيق الدولية. وتشكر في الوقت ذاته كل الدول التي وقفت موقفاً حازماً ورفضت أي مساس بسيادة الدول الأخرى واحترمت القرارات الدولية.

آن الأوان أيها السادة أن نتكاتف جميعاً ضد هذا الإرهاب، فالخطر محدق بالجميع وليس هناك دولة في منأى عنه، وبلادي كما كانت وستبقى ثابتة على موقفها الذي أعلنت عنه من ثمانينات القرن الماضي حول مكافحة الإرهاب قبل أن يتفشى كما يحصل الآن. فنحن في سورية سيدي الرئيس نحترم كلمتنا ونوفي بوعودنا ومواثيقنا، وهذا ما عبرنا عنه في أكثر من مجال وتحديداً منذ بدء الأزمة في سورية.

لقد وافقت سورية دون شروط على حضور مؤتمر جنيف /2/ وشاركت بفكر وعقل منفتحين، رغم قناعتنا أن الحل هو سوري – سوري وعلى الأرض السورية. رغم ذلك وإعلاناً منا عن حسن النوايا وحقناً لدماء السوريين ذهبنا إلى جنيف فوجدنا وفداً لا يفاوض باسم السوريين فهو أصلاً لا انعكاس له على الأرض في سورية ولا شعبية ولا شرعية له لدى الشعب السوري، وفد يفاوض الحكومة وفق ما يريده سادته من الغرب، يرفض نبذ الإرهاب، أو الوقوف في وجهه، يرفض احترام سيادة سورية ووحدة ترابها، ويرفض حتى "قولاً" وقف الجماعات الإرهابية لإرهابها، ونحن نعلم أنه لا يمكن له الضغط على أحد، لا جماعات مسلحة ولا أي فصيل سوري على الأرض.

ذهبنا إلى جنيف بأولوية أساسها مكافحة الإرهاب لأننا كنا نرى وما زلنا أنه لا يمكن البدء بأي حل سياسي والإرهاب يضرب الأرض السورية. هناك من وقف في جنيف ضدنا في هذه الأولوية رغم أنها وردت بشكل أساسي في بداية بنود إعلان جنيف وبقي وفد ما يُسمى الائتلاف رافضاً لأي نقطة تمس أو تنبذ الإرهاب. وها هو الآن كل المجتمع الدولي قد تبنى نظريتنا بأن مكافحة الإرهاب أولوية الأولويات، ولا يمكن فعل شيء، أي شيء، طالما أن الإرهاب يضرب بوحشية كل من يراه أمامه، وطالما أن هذا الإرهاب سيعود إلى الدول التي أتى أفراده منها.

ومرة أخرى نجدد أننا جاهزون بل ونسعى للحل السياسي في سورية وفي الحوار مع كل الوطنيين الشرفاء المعارضين للإرهاب في سورية وبين السوريين أنفسهم وعلى الأرض السورية.

إن الانتخابات الرئاسية التي جرت تحت مرأى ومسمع العالم، أوقفت الجميع أمام استحقاقاته، فكانت إرادة السوريين فوق كل صوت حاول التشويش عليها منذ 3 سنوات ونيف، عندما خرج السوريون داخل سورية وخارجها يقولون كلمتهم ويسمعون صوتهم للكون.

الآن وبعد الانتخابات الرئاسية نقول للعالم، من يريد ويتطلع إلى حل سياسي في سورية عليه أولاً أن يحترم إرادة السوريين التي أعلنوها صريحة واضحة قوية عالية. فاختاروا رئيسهم في انتخابات تعددية لأول مرة في تاريخ سورية الحديث، مع مواكبة دولية من دول عدة شهدت بنزاهة وشفافية وإقبال الناس الكثيف على هذه الانتخابات.

ومن هنا أقول سيدي الرئيس، إن الشعب السوري اختار، ومن يريد الحديث باسم الشعب يجب أن يكون ممثلاً للشعب أولاً، ومحترِماً لإرادته وقراراته ثانياً.

لذلك فإن أي حوار يجب أن يكون وفق أسس تأخذ بعين الاعتبار احترام إرادة الشعب السوري، وقراره. وعليه فنحن منفتحون للحل السياسي في سورية، مع معارضة حقيقية تنشد الخير والاستقرار والأمان لسورية، لا ترتهن للخارج ولا تنطق بلسانه. معارضة لها انعكاسها على الأرض السورية ولها جذورها في الداخل السوري، لا في الفنادق والعواصم الغربية، معارضة وطنية تضع في أولوياتها مكافحة الإرهاب، وتشجيع المصالحات المحلية الجارية تمهيداً لإنجاح الحل السياسي.

 

السيد الرئيس،

  مع استمرار الهجمات الإرهابية في سورية تزايدت الاحتياجات الإنسانية في العديد من المجالات الأساسية وأدت العقوبات اللاإنسانية التي فرضها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للمدنيين السوريين في الوقت الذي تقوم فيه حكومة بلادي بالتعاون مع الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في المجال الإنساني وفي إطار خطط الاستجابة المتفق عليها مع الحكومة السورية بالعمل على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وخاصة الذين اضطرتهم الأعمال الإرهابية لترك بيوتهم والنزوح عنها والكثير منهم لجأ إلى بعض دول الجوار التي منها مَنْ وضع بعض هؤلاء المواطنين في معسكرات للتدريب على السلاح أو فيما يشبه أماكن الاعتقال . انني أؤكد من على هذا المنبر أن الدولة السورية تضمن لمن يرغب من هؤلاء المواطنين العودة الآمنة والحياة الكريمة بعيداً عما يعانيه في هذه المخيمات من أوضاع لا إنسانية وفي ذات الوقت فإن سورية مستمرة ببذل أقصى الجهود لايصال مساعدات المنظمات الدولية الانسانية إلى جميع المواطنين السوريين دون تمييز أينما كانوا وفي إطار السيادة الوطنية.

إن الجمهورية العربية السورية تؤكد تمسكها باستعادة الجولان السوري المحتل كاملاً حتى خط الرابع من حزيران 1967 ورفضها لكافة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال لتغيير معالمه الطبيعية والجغرافية والديموغرافية في انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لاسيما القرار 497 لعام 1981 و 465 لعام  1980 كما تؤكد أن قضية فلسطين هي القضية المركزية للشعب السوري الذي يدعم الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق وخاصة حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس.

لقد قبلت سورية في أيلول الماضي مبادرة رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين وانضمت إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية لإيمانها بالسعي نحو إخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة النووية ولتثبت للعالم كله التزامها بالوقوف ضد أي استخدام للأسلحة الكيميائية.

إن سورية قامت بالوفاء بالتزاماتها الناتجة عن انضمامها للاتفاقية وأنجزت رغم الظروف القاسية التزاماتها. ولولا التعاون السوري مع البعثة المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة لما تم انجاز مهام هذه البعثة والتي عبّرت رئيسة البعثة السيدة سيغريد كاخ عن سعادتها وامتنانها للتعاون المثمر والبنّاء للحكومة السورية مما أدى إلى انجاز عمل غير مسبوق.

إن سورية ملتزمة بتنفيذ أحكام الاتفاقية كاملة وفي إطار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كدولة طرف في الاتفاقية. ويبقى السؤال الكبير هل سيلتزم من يمد الإرهابيين بهذا النوع من السلاح وغيره بالتوقف عن ذلك والالتزام بالقانون الدولي ولا سيما اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالإرهاب؟

تؤكد سورية أن إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل غير قابل للتحقيق ما لم تنضم إسرائيل القوة النووية العسكرية الوحيدة في المنطقة إلى كافة معاهدات حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل واخضاع منشآتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبذات الوقت تؤكد على حق جميع الدول في حيازة التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية.

السيد الرئيس،

إن فرض إجراءات اقتصادية احادية غير أخلاقية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تتناقض مع قواعد القانون الدولي ومبادئ التجارة الحرة، ومن هذا المنطلق فإننا ندعو إلى رفع الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا منذ عقود، كما نجدد الدعوة إلى رفع ووقف كافة الإجراءات القسرية الأحادية المفروضة على سورية وشعوب دول أخرى مثل إيران وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وبيلاروسيا.

السيد الرئيس،

ختاماً نتطلع إلى أن تتمكن الأمم المتحدة من تحقيق طموحات شعوبنا في العيش الكريم والتنمية والإكتفاء الغذائي بعيداً عن كافة أشكال الإرهاب والتوتر والمواجهة تنفيذاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده ولاسيما الحفاظ على سيادة الدول والمساواة بينها في الحقوق والواجبات وأن تكون الأولوية للعمل على تضافر جهود المجتمع الدولي لمكافحة إرهاب داعش والنصرة وغيرها من أذرع القاعدة وتجفيف منابعه ليعم الأمن والاستقرار منطقتنا والعالم.